سورة آل عمران - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{الم اللهُ لآ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وقد ذكرنا تفسير ذلك من قبل.
فإن قيل: {الم} اسم من أسماء الله تعالى كان قوله: {اللهَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} نعتاً للمسمى به، وتفسيره أن {الم} هو الله لا إله إلا هو.
وإن قيل: إنه قسم كان واقعاً على أنه سبحانه لا إله إلا هو الحي القيوم، إثباتاً لكونه إلهاً ونفياً أن يكون غيره إلهاً.
وإن قيل بما سواهما من التأويلات كان ما بعده مبتدأ موصوفاً، وأن الله هو الذي لا إله إلا هو الحي القيوم.
ونزلت هذه الآية إلى نيف وثمانين آية من السورة في وفد نجران من النصارى لما جاؤوا يحاجّون النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أربعة عشر رجلاً من أشرافهم.
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} فيه وجهان:
أحدهما: بالعدل مما استحقه عليك من أثقال النبوة.
والثاني: بالعدل فيما اختصك به من شرف الرسالة.
وإن قيل بأنه الصدق ففيه وجهان:
أحدهما: بالصدق فيما تضمنه من أخبار القرون الخالية والأمم السالفة.
والثاني: بالصدق فيما تضمنه من الوعد بالثواب على طاعته، والوعيد بالعقاب على معصيته.
{مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي لما قبله من كتاب ورسول، وإنما قيل لما قبله {بَيْنَ يَدَيْهِ} لأنه ظاهر له كظهور ما بين يديه.
وفي قوله: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} قولان:
أحدهما: معناه مخبراً بما بين يديه إخبار صدق دل على إعجازه.
والثاني: معناه أنه يخبر بصدق الأنبياء فيما أتوا به على خلاف من يؤمن ببعض ويكفر ببعض.
قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللهِ} فيه وجهان:
أحدهما: بدلائله وحججه.
والثاني: بآيات القرآن، قال ابن عباس يريد وفد نجران حين قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحاجّته.
{لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} يعني عذاب جهنم.
{وَاللهُ عَزِيزٌ} فيه وجهان:
أحدهما: في امتناعه.
الثاني: في قدرته.
{ذُو انتِقَامٍ} فيه وجهان:
أحدهما: ذو سطوة.
والثاني: ذو اقتضاء.


قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} يعني القرآن.
{مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتُ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} اختلف المفسرون في تأويله على سبعة أقاويل:
أحدها: أن المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ، قاله ابن عباس، وابن مسعود.
والثاني: أن المحكم ما أحكم الله بيان حلاله وحرامه فلم تشتبه معانيه، قاله مجاهد.
والثالث: أن المحكم ما لم يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً، والمتشابه ما احتمل أوجهاً، قاله الشافعي ومحمد بن جعفر بن الزبير.
والرابع: أن المحكم الذي لم تتكرر ألفاظه، والمتشابه الذي تكررت ألفاظه، قاله ابن زيد.
والخامس: أن المحكم الفرائض والوعد والوعيد، والمتشابه القصص والأمثال.
والسادس: أن المحكم ما عرف العلماء تأويله وفهموا معناه وتفسيره، والمتشابه ما لم يكن إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه، كقيام الساعة، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج عيسى ونحوه، وهذا قول جابر بن عبد الله.
والسابع: أن المحكم ما قام بنفسه ولم يحتج إلى استدلال.
ويحتمل ثامناً: أن المحكم ما كانت معاني أحكامه معقولة، والمتشابه ما كانت معاني أحكامه غير معقولة، كأعداد الصلوات، واختصاص الصيام بشهر رمضان دون شعبان.
وإنما جعله محكماً ومتشابهاً استدعاء للنظر من غير اتكال على الخبر، وقد روى معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «القرآن على ثلاثة أجزاء: حلال فاتبعه، وحرام فاجتنبه، ومتشابه يشكل عليك فَكِلْه إلى عالمه».
وأما قوله تعالى: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَاِب}. ففيه وجهان:
أحدهما: أصل الكتاب.
والثاني: معلوم الكتاب.
وفيه تأويلان:
أحدهما: أنه أراد الآي التي فيها الفرائض والحدود، قاله يحيى بن يعمر.
والثاني: أنه أراد فواتح السُّوَر التي يستخرج منها القرآن، وهو قول أبي فاختة.
ويحتمل ثالثاً: أن يريد به أنه معقول المعاني لأنه يتفرع عنه ما شاركه في معناه، فيصير الأصل لفروعه كالأم لحدوثها عنه، فلذلك سماه أم الكتاب.

{فَأََمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} فيه تأويلان:
أحدهما: ميل عن الحق.
والثاني: شك، قاله مجاهد.

{فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه الأجل الذي أرادت اليهود أن تعرفه من الحروف المقطعة من حساب الجُمّل في انقضاء مدة النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه معرفة عواقب القرآن في العلم بورود النسخ قبل وقته.
والثالث: أن ذلك نزل في وفد نجران لمَّا حاجّوا النبي صلى الله عليه وسلم في المسيح، فقالوا: أليس كلمة الله وروحه؟ قال: «بلى» فقالوا: حسبنا، فأنزل الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وابْتَغَآءَ تَأْوِيلِهِ} وهو قول الربيع.
وفي قوله تعالى: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أربعة تأويلات:
أحدها: الشرك، قاله السدي.
والثاني: اللّبْس، قاله مجاهد.
الثالث: الشبهات التي حاجّ بها وفد نجران.
والرابع: إفساد ذات البَيْن.
{وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} في التأويل وجهان:
أحدهما: أنه التفسير.
والثاني: أنه العاقبة المنتظرة.
{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: تأويل جميع المتشابه، لأن فيه ما يعلمه الناس، وفيه ما لا يعلمه إلا الله، قاله الحسن.
والثاني: أن تأويله يوم القيامة لما فيه من الوعد والوعيد، كما قال الله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَومَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: 53] يعني يوم القيامة، قاله ابن عباس.
والثالث: تأويله وقت حلوله، قاله بعض المتأخرين.
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني الثابتين فيه، العاملين به.
والثاني: يعني المستنبطين للعلم والعاملين، وفيهم وجهان:
أحدهما: أنهم داخلون في الاستثناء، وتقديره: أن الذي يعلم تأويله الله والراسخون في العلم جميعاً.
روى ابن أبي نجيح عن ابن عباس أنه قال: أنا ممن يعلم تأويله.
الثاني: أنهم خارجون من الاستثناء، ويكون معنى الكلام: ما يعلم تأويله إلا الله وحده، ثم استأنف فقال: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}.
{يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: علم ذلك عند ربنا.
والثاني: ما فصله من المحكم والمتشابه، فنزل من عند ربنا.


قوله عز وجل: {كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ} فيه وجهان:
أحدهما: أن الدأب: العادة، (أي) كعادة آل فرعون والذين من قبلهم.
والثاني: أن الدأب هنا الاجتهاد، مأخوذ من قولهم: دأبت في الأمر، إذا اجتهدت فيه.
فإذا قيل إنه العادة ففيما أشار إليه من عادتهم وجهان:
أحدهما: كعادتهم في التكذيب بالحق.
والثاني: كعادتهم من عقابهم على ذنوبهم.
وإذا قيل إنه الاجتهاد، احتمل ما أشار إليه من اجتهادهم وجهين:
أحدهما: كاجتهادهم في نصرة الكفر على الإِيمان.
والثاني: كاجتهادهم في الجحود والبهتان.
وفيمن أشار إليهم أنهم كدأب آل فرعون قولان:
أحدهما: أنهم مشركو قريش يوم بدر، كانوا في انتقام الله منهم لرسله والمؤمنين، كآل فرعون في انتقامه منهم لموسى وبني إسرائيل، فيكون هذا على القول الأول تذكيراً للرسول والمؤمنين بنعمة سبقت، لأن هذه الآية نزلت بعد بدر استدعاء لشكرهم عليها، وعلى القول الثاني وعداً بنعمة مستقبلة لأنها نزلت قبل قتل يهود بني قينقاع، فحقق وعده وجعله معجزاً لرسوله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8